فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} جاءت هذه الجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا لتكون أحوال المؤمنين مستقلة بالذكر غير تابعة في اللفظ لأحوال الكافرين، وهذا من طرق الاهتمام بالخبر.
ومناسبة ذكرها مقابلة أحوال الذين يكذبون بلقاء الله بأضدادها تنويهًا بأهلها وإغاضة للكافرين.
وتعريف المسند إليه بالموصولية هنا دون اللام للإيماء بالموصول إلى علة بناء الخبر وهي أن إيمانهم وعملهم هو سبب حصول مضمون الخبر لهم.
والهداية: الإرشاد على المقصد النافع والدلالة عليه.
فمعنى {يهديهم ربهم} يرشدهم إلى ما فيه خيرهم.
والمقصود الإرشاد التكويني، أي يخلق في نفوسهم المعرفة بالأعمال النافعة وتسهيل الإكثار منها.
وأما الإرشاد الذي هو الدلالة بالقول والتعليم فالله يخاطب به المؤمنين والكافرين.
والباء في {بإيمانهم} للسببية، بحيث إن الإيمان يكون سببًا في مضمون الخبر وهو الهداية فتكون الباء لتأكيد السببية المستفادة من التعريف بالموصولية نظير قوله: {إن الذين لا يرجون لقاءنا إلى بما كانوا يكسبون} [يونس: 7، 8] في تكوين هدايتهم إلى الخيرات بجعل الله تعالى، بأن يجعل الله للإيمان نُورًا يوضع في عقل المؤمن ولذلك النور أشعة نورانية تتصل بين نفس المؤمن وبين عوالم القدس فتكون سببًا مغناطيسيًا لانفعال النفس بالتوجه إلى الخير والكماللِ لا يزال يزداد يومًا فيومًا، ولذلك يقترب من الإدراك الصحيح المحفوظ من الضلال بمقدار مراتب الإيمان والعمل الصالح.
وفي الحديث: «قد يكون في الأمم محدَّثون فإن يك في أمتي أحدٌ فعمر بن الخطاب» قال ابن وهب: تفسير محدَّثون ملهمون الصواب، وفي الحديث: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه يَنظر بنور الله» ولأجل هذا النور كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيمانًا لأنهم لما تلقوا الإيمان عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت أنواره السارية في نفوسهم أقوى وأوسع.
وفي العدول عن اسم الجلالة العَلَم إلى وصف الربوبية مضافًا إلى ضمير {الذين آمنوا} تنويه بشأن المؤمنين وشأن هدايتهم بأنها جعل مولًى لأوليائه فشأنها أن تكون عطية كاملة مشوبة برحمة وكرامة.
والإتيان بالمضارع للدلالة على أن هذه الهداية لا تزال متكررة متجددة.
وفي هذه الجملة ذكر تهيؤ نفوسهم في الدنيا لعُروج مراتب الكمال.
وجملة: {تجري من تحتها الأنهار في جنات النعيم} خبر ثان لِذكر ما يحصل لهم من النعيم في الآخرة بسبب هدايتهم الحاصلة لهم في الدنيا.
وتقدم القول في نظير {تجري من تحتها الأنهار} في سورة [البقرة: 25].
والمراد من تحت منازلهم.
والجنات تقدم.
والنعيم تقدم في قوله تعالى: {لهم فيها نعيم مقيم} في سورة [براءة: 21]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} هنا يتحدث الحق سبحانه عن المقابل، وهم الذين آمنوا، ويعُلِّمنا أنه سبحانه: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ}.
والهداية- كما قلنا من قبل- معناها الدلالة على الخير، بالمنهج الذي أرسله الحق سبحانه لنا، وبه بيَّن الحق السُّبُلَ أمام المؤمن والكافر، أما الذي يُقبل على الله بإيمان فيعطيه الحق سبحانه وتعالى هداية أخرى؛ بأن يخفف أعباء الطاعة على نفسه، ويزيده سبحانه هدى بالمعروف؛ لذلك قال سبحانه: {واستعينوا بالصبر والصلاوة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} [البقرة: 45].
وهكذا يتلقى المؤمن مشقات الطاعة بحب؛ فيهونّها الحق سبحانه عليه ويجعله يدرك لذة هذه الطاعة؛ لتهون عليه مشقتها، ويمده سبحانه أيضًا بالمعونة.
يقول الحق سبحانه: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ}.
وما داموا قد آمنوا؛ فسبحانه يُنزِل لهم الأحكام التي تفيدهم في حياتهم وتنفعهم في آخرتهم، أو أن الهداية لا تكون في الدنيا بل في الآخرة، فما دامو قد آمنوا، فهم قد أخذوا المنهج من الله سبحانه وتعالى وعملوا الأعمال الصالحة، يهديهم الحق سبحانه إلى طريق الجنة.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم...} [الحديد: 12].
ويقول سبحانه: {والذين آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ...} [التحريم: 8].
أي: أن نورهم يضيء أمامهم. أما المنافقون فيقولون للذين آمنوا: {انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارجعوا وَرَاءَكُمْ فالتمسوا...} [الحديد: 13].
أي: أن هذا ليس وقتَ التماس النور، فالوقت- لالتماس النور- كان في الدنيا؛ باتباع المنهج والقيام بالصالح من الأعمال.
إذن: فالحق سبحانه يهدي للمؤمنين نورًا فوق نورهم في الآخرة.
والآية تحتمل الهداية في الدنيا، وتحتمل الهداية في الآخرة.
ويصف الحق سبحانه حال المؤمنين في الآخرة فيقول: {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار فِي جَنَّاتِ النعيم} [يونس: 9].
وقلنا: إن الجنة على حوافِّ الأنهار؛ لأن الخضرة أصلها من الماء. وكلما رأيتَ مجرى للماء لابد أن تجد خضرة، والجنات ليست هي البيوت، بدليل قول الحق سبحانه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ...} [التوبة: 72].
ونجد الحق سبحانه يقول مرة: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار...} [التوبة: 100].
ويقول سبحانه في مواضع أخرى: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار...} [البقرة: 25].
والحق سبحانه يعطينا صورًا متعددة عن الماء الذي لا ينقطع، فهي مياه ذاتية الوجود في الجنة لا تنقطع أبدًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: يكون لهم نورًا يمشون به.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: حدثنا الحسن قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة وريح طيبة فيقول له: ما أنت. فوالله إني لأراك عين امرئ صدق. فيقول له: أنا عملك. فيكون له نورًا وقائدًا إلى الجنة، وأما الكافر فإذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة، فيقول له: ما أنت فوالله إني لأراك عين امرئ سوء، فيقول: أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة يعارض صاحبه ويبشره بكل خير، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيجعل له نورًا من بين يديه حتى يدخله الجنة، والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة، فيلازم صاحبه حتى يقذفه في النار.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في قوله: {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: حتى يدخلهم الجنة. فحدث أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لأحدهم يومئذ أعلم بمنزله منكم اليوم بمنزلنا، ثم ذكر عن العلماء أنه أنزلهم الجنة سبعة منازل، لكل منزل من تلك المنازل أهل في سبع فضائل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يسعى عليهم بما سألوا وبما خطر على أنفسهم حتى إذا امتلأوا كان طعامهم ذلك جشاء وريح المسك ليس فيها حدث، ثم ألهموا الحمد والتسبيح كما ألهموا النفس، ثم يجتني فاكهتها قائمًا وقاعدًا ومتكئًا على أي حال كان عليه، ثم لا تصل إلى فيه حتى تعود كما كانت أنها بركة الرحمة، وبركة الرحمن لا تفنى وهي الخزائن التي لا تنقطع أبدًا ما أخذ منها لم ينقص وما ترك منها لم يفسد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ}
قوله تعالى: {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار}: يجوز أن يكونَ حالًا من مفعول {يَهْديهم}، وأن يكونَ مستأنفًا، وأن يكونَ معطوفًا على ما قبله، حُذِف منه حرفُ العطف. قوله: {في جنات} يجوز أن يتعلَّق بـ {تَجْري} وأن يكون حالًا من {الأنهار}، وأن يكونَ خبرًا بعد خبر لإن، وأن يكون متعلِّقًا بـ {يَهْدي}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
كما هداهم اليومَ إلى معرفته من غير ذريعة يهديهم غدًا إلى جنته ومثوبته من غير نصيرٍ من المخلوقين ولا وسيلة.
ويقال أَمَّا المطيعون فنورهم يسعى بن أيديهم وهم على مراكب طاعاتهم، والملائكةُ تتلقَّاهم والحقُّ، قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] نحشرهم، والعاصون يَبْقَوْن منفردين متفرقين، لا يقف لهم العابدون، ويتطوحون في مطاحات القيامة.
والحقُّ سبحانه يقول لهم: عِبَادي، إنَّ أصحابَ الجنة- اليومَ- في شُغلٍ عنكم، إنهم في الثواب لا يتفرَّغون إليكم، وأصحابُ النار من شدة العذابِ لا يرقبون لكم معاشِرَ المساكين.
كيف أنتم إنْ كان أشكالكم وأصحابكم سبقوكم؟ وواحدٌ متهم لا يهديكم فأنا أهديكم. لأني إنْ عاملتكم بما تستوجبون فأين الكرمُ بحقنا إذا كنا في الجفاء مِثلهم وهجرناكم كما هجروكم؟. اهـ.

.تفسير الآية رقم (10):

قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الواجب على العباد أولًا تنزيهه تعالى عن النقائض التي أعظمها الإشراك.
وكان من فعل ذلك سلم من غوائل الضلال فربح نفسه فعرف ربه وفاز في شهود حضرته بمشاهدة أوصاف الكمال، أشار التسليك في ذلك بقوله: {دعواهم} أي دعاؤهم العظيم الثابت الكثير الذي يقولونه فيها لا على وجه التكليف، بل يلهمونه إلهام النفس في الدنيا {فيها} وأشار إلى مجامع التنزيه عن كل شائبة نقص فقال: {سبحانك اللهم} إشارة إلى الأمر الأول هو الأساس وهو المعراج في الآخرة {وتحيتهم} أي لله وفيما بينهم {فيها سلام} إشارة إلى أول نتائج الأساس بأنه لا عطب معه بوجه وهو نزول عن المعراج بالنظر في أحوال الخلق {وآخر دعواهم} أي دعائهم العظيم وهو المعراج الكمالي {أن الحمد} أي الكمال {لله} أي المحيط بجميع أوصاف الجلال والجمال يعني أن التنزيه عن النقص أوجب لهم السلامة؛ ولما سلموا من كل نقص وصلوا إلى الحضرة فغرقوا في بحار الجلال وانكشفت لهم سمات الكمال؛ والدعوى: قول يدعى به إلى أمر؛ والتحية: التكرمة بالحال الجليلة، وأصله من قولهم: أحياك الله حياة طيبة، وأشار بقوله: {رب العالمين} إلى نعمة الإيجاد إرشادًا بذلك إلى القدرة على المعاد، وفيه هبوط عن المعراج الكمالي إلى الخلق، وذلك إشارة إلى أن الإنسان لا ينفك عن الحاجة والنقصان. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

المرتبة الثانية: من مراتب سعاداتهم ودرجات كمالاتهم قوله سبحانه وتعالى: {دعواهم فِيهَا سبحانك اللهم} وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: في {دعواهم}:

وجوه: الأول: أن الدعوى هاهنا بمعنى الدعاء، يقال: دعا يدعو دعاء ودعوى، كما يقال: شكى يشكو شكاية وشكوى.
قال بعض المفسرين: {دَعْوَاهُمْ} أي دعاؤهم.
وقال تعالى في أهل الجنة: {لَهُمْ فِيهَا فاكهة وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} [يس: 57] وقال في آية أخرى {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة ءامِنِينَ} [الدخان: 55] ومما يقوى أن المراد من الدعوى هاهنا الدعاء.
هو أنهم قالوا: اللهم.
وهذا نداء لله سبحانه وتعالى، ومعنى قولهم: {سبحانك اللهم} إنا نسبحك، كقول القانت في دعاء القنوت: اللهم إياك نعبد الثاني: أن يراد بالدعاء العبادة، ونظيره قوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} [مريم: 48] أي وما تعبدون.
فيكون معنى الآية أنه لا عبادة لأهل الجنة إلا أن يسبحوا الله ويحمدوه، ويكون اشتغالهم بذلك الذكر لا على سبيل التكليف، بل على سبيل الابتهاج بذكر الله تعالى.
الثالث: قال بعضهم: لا يبعد أن يكون المراد من الدعوى نفس الدعوى التي تكون للخصم على الخصم.
والمعنى: أن أهل الجنة يدعون في الدنيا وفي الآخرة تنزيه الله تعالى عن كل المعايب والإقرار له بالإلهية.
قال القفال: أصل ذلك أيضًا من الدعاء، لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما.
الرابع: قال مسلم: {دَعْوَاهُمْ} أي قولهم وإقرارهم ونداؤهم، وذلك هو قولهم: {سبحانك اللهم} الخامس: قال القاضي: المراد من قوله: {دَعْوَاهُمْ} أي طريقتهم في تمجيد الله تعالى وتقديسه وشأنهم وسنتهم.
والدليل على أن المراد ذلك أن قوله: {سبحانك اللهم} ليس بدعاء ولا بدعوى، إلا أن المدعي للشيء يكون مواظبًا على ذكره، لا جرم جعل لفظ الدعوى كناية عن تلك المواظبة والملازمة.
فأهل الجنة لما كانوا مواظبين على هذا الذكر، لا جرم أطلق لفظ الدعوى عليها.
السادس: قال القفال: قيل في قوله: {لَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} [يس: 57] أي ما يتمنونه، والعرب تقول: ادع ما شئت علي، أي تمن.
وقال ابن جريج: أخبرت أن قوله: {دعواهم فِيهَا سبحانك اللهم} هو أنه إذا مر بهم طير يشتهونه قالوا {سبحانك اللهم} فيأتيهم الملك بذلك المشتهى، فقد خرج تأويل الآية من هذا الوجه، على أنهم إذا اشتهوا الشيء قالوا سبحانك اللهم، فكان المراد من دعواهم ما حصل في قلوبهم من التمني، وفي هذا التفسير وجه آخر هو أفضل وأشرف مما تقدم، وهو أن يكون المعنى أن تمنيهم في الجنة أن يسبحوا الله تعالى، أي تمنيهم لما يتمنونه، ليس إلا في تسبيح الله تعالى وتقديسه وتنزيهه.
السابع: قال القفال أيضًا: ويحتمل أن يكون المعنى في الدعوى ما كانوا يتداعونه في الدنيا في أوقات حروبهم ممن يسكنون إليه ويستنصرونه، كقولهم: يا آل فلان، فأخبر الله تعالى أن أنسهم في الجنة بذكرهم الله تعالى، وسكونهم بتحميدهم الله.
ولذتهم بتمجيدهم الله تعالى.